التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الود الذي ينشأ بين القارئ وسورة معينة



من الظواهر العجيبة التي يلاحظها القراء أنفسهم وإخوانهم من الأئمة والقراء ؛ هذا الود الخاص الذي ينشأ بين قارئ وسورة معينة يُعرف بها ، تجده عندما يتلوها يُطرّب فيها ويترنم بها ويُؤثر ويتأثر، وتجد محبيه يرغبون في سماعها منه ، وإذا صلى بهم طلبوا منه أن يقرأ تلك السورة بعينها ، ولو كانوا قد سمعوها منه مراراً ، ولا أزال أتذكر بشدة إعجابي بالمقرئ محمد صديق المنشاوي ، لكنه حين يقرأ أواخر آل عمران و أوائل النساء فإني أصاب بحالة ذهول واستغراق في السماع ، ولقد استمعت لهذين المقطعين من فمه المعطّر ما يقارب الأربعين مرة، وحدثني الشيخ الدكتور عبدالعزيز القارئ أن إمام المسجد النبوي عبدالعزيز بن صالح كان إذا قرأ سورة الرحمن خشع ، وأذهل المصلين ، وقال لي: دخلت مرة على الشيخ عبد الفتاح القاضي ـ شيخ المقارئ المصرية ـ في بيته في المدينة فوجدته متأثراً فسألته فأخبرني أنه سمع تلاوة الشيخ عبدالعزيز ابن صالح لسورة الرحمن في صلاة الفجر، وأنه كأنه يسمعها لأول مرة من حلاوتها على لسانه وطيبها من فمه ـ رحم الله الجميع ـ
وكانت بجوار مسجدي إمرأة صالحة وكانت تطلب مني أن أقرأ سورة الواقعة في صلاة الفجر لشدّة حبها إياها وتأثرها بها إذا سمعتها من منارة المسجد وكنت إذا قرأت سورة الحاقة أو سورة المعارج أجد لها لذة خاصة ووقعاً على قلبي وأرى ذلك فيمن يصلون خلفي، وأما الشيخ عبدالله الخليفي رحمه الله إمام الحرم لأكثر من أربعين عاماً فكان الناس يترقبون العشر الأواخر من رمضان ليسمعوا منه سورة يوسف فيضج الحرم بنشيج الشيخ وتتجاوب أصداء المسجد مع بكاءه ، وترى الدموع وتسمع الأنين من المصلين خصوصاً إذا تلى قول الله تعالى : " وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم " الآيات، وكنا أحياناً نسمعها عبر الإذاعة فنتأثر ونشعر بشعور غريب لا نحسن وصفه، ويتجدد معنا ذلك كلما سمعناها منه.
إن هذا يعني أنه قد بورك لهذا القارئ أو السامع في هذه السورة وأنه قد اكتشف سرها وأعطي مفتاحاً من مفاتيحها ، وقد يعطى أكثر من سورة أو مقطع ، وقد يمن الله عليه بفضله فيعطيه مفاتيح السور كلها فيتأثر بالقرآن كله ويتلذذ به ويخشع في كل موطن أو مقطع، وفي الغالب أن لهذا صلة بالإخلاص والخشية مع الفهم وحسن التدبر.