التخطي إلى المحتوى الرئيسي

من طرائق التدبر


من الطرائق المجدية في التدبر عند أهل القرآن أن يجعل لكل ختمة هدفاً موضوعياً يصل إليه ويحفظه من خلال ختمه الشهرية أو الأسبوعية ، فيقول مثلاً: سأجمع آيات الإنفاق ، أو قيام الليل ، أو أسماء الله المقترنة كالعزيز الحكيم ، أو أوصاف أهل الجنة كالتي في أول سورة المؤمنون ، أو صفات المنافقين، أو آيات الإخلاص ، أو الآيات الدالة على خطر اللسان ، أو التي فيها آداب الزوجين وأخلاقهما ، أو قصة مريم أو موسى عليهما السلام ، ونحو ذلك، وهذا من شأنه أن يوقض العقل ويحرك القلب ويعين على تركيز الذهن أثناء التلاوة ، وفي كل ختمة ينهي موضوعا ً، فيجتمع له بذلك خير كثير وعلم غزيز، ويتنبه لمعاني الآيات ، ويحضر قلبه عند التلاوة ، فينتفع بما يتلوه ، ويستفيد مما يقرأه قال الله ¸ " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد "  ولعلك ستلاحظ عند تحديد موضوع معين قبل البدء بالختمة أن القرآن كأنما أنزل لتقرير ذلك الموضوع ، وتتعجب من غزارة الآيات الدالة على ما أنت بصدد البحث عنه ، خصوصاً إذا رزقك الله فهماً في كتابه ، وغوصاً على معاني كلامه ، واستحضاراً للمتشابهات وربطاً بين الآيات وعلماً بمقاصد الشريعة.
يقول أحدهم: لما صدر قرار بإلزام سائقي السيارات بحزام الأمان أردت أن أبحث في القرآن عما يدل عليه من قريب أو بعيد ، فوجدت أكثر من ثلاثمائة آية في الموضوع مما يدل على الأخذ بالأسباب والحذر وحفظ الأنفس والأموال ، وتوقي الإهمال ، والأمر بالحزم ، ونحوها من المعاني التي تدل على مشروعية الأخذ بحزام الأمان ، فتعجبت من هذا الحضور الهائل لأمر ظننت أنه لم يُشر إليه في القرآن إلا في موطن أو موطنين .
وأذكر أن أحد مشايخنا كلفني بجمع الآيات البديهية في القرآن من مثل قوله تعالى: " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ، وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة " إذ من المعلوم أن الثلاثين والعشر تساوي الأربعين فلماذا ذكر الأربعين ؟ وكذلك قوله : " فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة " وقال لي الشيخ: من هذا النوع في القرآن أكثر من عشرة مواضع ، ولكني فاجأته بعد البحث والتنقيب بقريب من مائة مثال في القرآن، فاستغرب من ذلك وأخذ يستعرض الأمثلة فوجدها مطابقة لما طلب من كونها من بديهيات القرآن ، وهذا يؤكد ما ذكرته لك من ثراء القرآن في كل باب من أبواب العلم والحياة ، لكن لا على طريقة التنصيص على الموضوع والأمر الذي تبحث عنه ، ولكن على جهة السعة في المعاني والدلالات، وهذا بيّن عند من مارسه وعرف معناه.