التخطي إلى المحتوى الرئيسي

البر الخفي


ما من مسلم إلا وهو يطمع أن يحضى بوصف البار بوالديه ، وأسباب البر ووسائله بحمد الله كثيرة لا تخفى عن الراغب ولا تغيب عن الحريص.
ومما يخفى على كثير من الناس من أعمال البر بالوالدين الذي ينفعهم في الدار الآخرة نفعاً عظيماً ، وهو خير لهم من المنافع الدنيوية ، وفي الوقت ذاته ينفع الولد ويقربه إلى ربه ، ويرتفع به في الدنيا والآخرة: حفظ القرآن وتعلّمه، ودليل ذلك حديث بريدة  ¢ عنه قال: "كنت جالساً عند النبي ‘ فقال: تعلّموا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة ، ثم سكت ساعة ثم قال: تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف ، وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حيث ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب، فيقول: هل تعرفني ؟ فيقول: ما أعرفك ، فيقول: أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر وأسهرت ليلك ، وإن كل تاجر من وراء تجارته ، وأنا لك اليوم من وراء كل تجارة ، فيعطى المُلك بيمينه والخلد بشماله ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ويكسى والده حلّتين لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولان: بما كسينا هذا ؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن ، ثم يقال: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها ، فهو في صعود مادام يقرأ، هَذَّاً كان وترتيلاً " رواه أحمد وابن ماجه وحسنه الحافظ ابن كثير وقال على شرط مسلم والشيخ شعيب الأرنؤوط وغيرهما.
وبمعنى هذا الحديث حديث سهل بن معاذ عن أبيه عن النبي ‘ : " من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس الله والديه تاجاً يوم القيامة ضوؤه أحسن من الشمس في بيوت الدنيا ، فما ظنكم بالذي عمل بهذا " رواه أحمد وابن داود.
وهذه والله غنيمة ما أعظمها، وفرصة ما أحسنها، أن تأخذ القرآن فتؤجر به وتزدلف به إلى ربك، وتبرّ به والديك في وقت يكونان فيه في أشد الحاجة إلى برك ، وأعظمه نفعاً وأبقاه مع خفاء هذا النوع من البر عند الناس وبعد صاحبه عن المكدرات ، فيا أهل القرآن شمّروا وجدوا واجتهدوا ، فالجائزة عظيمة ، والعطاء الإلهي لن يقتصر عليكم بل سيطال والديكم وهذا من أعظم ما يحفزكم ويصبركم على نيل مرادكم .