حدثني أحد أشياخنا فقال: أربعة علوم لا ينبغي أن تنفك عن أصولها ،
فمتى انفكت حصل الخلل ووقع الزلل : علم التدبر عن علم التفسير ، وعلم الرجال عن
علم المصطلح ، وعلم المقاصد عن أصول الفقه ، وعلم السياسة الشرعية عن علم الفقه.
وهذا الذي قاله شيخنا حق، فقد رأينا وسمعنا كثيراً من الغرائب
والمنكرات عند بعض من خاضوا في تدبر القرآن وليس لهم اطلاع على تفسيره ومهارة فيه ،
ومعرفة بأقوال السلف فيأتون لأجل ذلك بالعجائب المستنكرة التي لا يقرها أهل العلم
في معاني الآيات ودلالاتها ، ولا يخفى أن أقوال السلف في التفسير عاصمة من
الزلل في فهم القرآن ، وأنه يجب أن يراعي المتدبر معاني الآيات على وفق ما في كتب
التفسير المعتمدة وإلا انفلت زمام التدبر، وخرج عن مقصوده ، فلو قال قائل مثلاً في
قوله تعالى: " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله " [ التوبة : 71 ] هذه الآية فيها دلالة على أن
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهم من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لأن
الله تعالى قدمهما عليهما ، لكان ذلك من الطوام في التدبر لمخالفته لما علم
بالضرورة من دين الله من تقديم الصلاة والزكاة والتأكيد على ركنيتهما ، وعلى كلٍ فالمقصود
من هذا أن هذه العلوم الأربعة متفرعة عن أصولها فلا يجوز عزلها عنها ، ولا يعلمها
منفردة أو سابقة على أصولها، فمتى كان ذلك حصل بسببه خلل في الفهم، وخطأ كبير في
العلم ، والله قد أمرنا ان نأتي البيوت من أبوابها ، ومن ذلك أن يدخل إلى الفرع من
جهة أصله وإلى الجزء من الكل ، وبهذا يحصل المراد ويتقى الخطأ.