جاءت أحاديث كثيرة تبيّن أن
في الجنة درجاً بعدد آي القرآن ، وأن حافظ القرآن أو حافظ بعضه إذا دخل الجنة يصعد
بكل آية درجة حتى يصل إلى نهاية حفظه ، فيجد منزله ويأوى إلى مستقره ، فبقدر
الآيات يرتفع المؤمن وتعلو منازله ، ودليل ذلك حديث عبدالله بن عمرو ¢ قال: قال
رسول الله ‘ : " يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا
فإن منزلتك عند أخر آية تقرأها " رواه أبوداود والنسائي والترمذي وقال
حديث حسن صحيح.
وعن أبي سعيد الخدري ¢ قال: قال رسول الله ‘ : " يقال لصاحب
القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه
" رواه أحمد
وكذلك جاء في حديث بريدة بن الحصيب الطويل عن النبي ‘ وفيه: "
ثم يقال - أي لصاحب القرآن - : اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود مادام
يقرأ هذاً كان أو ترتيلاً " رواه أحمد وابن ماجه وحسنه الحافظ ابن كثير
وقال: على شرط مسلم.
وحديث بريدة فيه دلالة على أن صاحب القرآن يستمر في الصعود مادام
يقرأ ، والعلم عند الله.
كما أن حديث عبدالله بن عمرو فيه إشارة إلى أن الترتيل في تلاوة
القرآن أفضل من السرعة في التلاوة ، والترتيل هو الترسل والتؤدة في تلاوته ، وذلك
أن المرتل إذا كان يقرأ ويصعد فإنه سيطول به الوقت في القراءة فينال من الرفعة
والعلو أكثر من الذي ينتهي من ختمته سريعاً ، ولو قيل لرجلين حافظين أحدهما يرتل
والأخر يحدر اقرءا وامشيا ولكما من الأرض ما قرأتما عليه حتى تختما ، لكان المرتل
ينال من الأرض أكثر من الحدار.
وروى الطبراني بسنده عن فضالة بن عبيد وتميم الداري عن النبي ‘ : "
من قرأ عشر آيات في ليلة كتب الله له قنطار، والقنطار خير من الدنيا وما فيها ،
فإذا كان يوم القيامة يقول ربك ¸ : اقرأ وارق بكل آية درجة حتى ينتهي إلى آخر آية
معه ، يقول ربك: اقبض فيقول العبد: يا رب أنت أعلم ، فيقول : بهذه الخلد وبهذه
النعيم "
وقد بينت أم المؤمنين عائشة ~ هذا المعنى الذي ورد في الأحاديث السابقة فقالت:
" جعلت درج الجنة على عدد آي القرآن ، فمن قرأ ثلث القرآن ثم دخل الجنة
على الثلث من درجها ، ومن قرأ نصف القرآن كان على النصف من درجها ، ومن قرأ كله
كان في عليين ، لم يكن فوقه إلا نبي أو صديق أو شهيد " رواه ابن عساكر .
والحاصل أن هذه الفضيلة من فضائل حفظ القرآن من أجلّ الفضائل وأعظمها
، وهي مما يحفز على الاستكثار من حفظه ، والازدياد منه ، وعدم الاقتصار على القليل
منه أو ما سبق أن حفظه المرء في أول عمره ، وأيام دراسته، بل يحرص على التزود ما
استطاع ولو كبرت سنه ، فكل آية يرتقي بها المرء درجة في الجنة ، والله ذو الفضل
العظيم.