من جوامع كَلِم النبي صلى الله
عليه وسلم قوله: " من
حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
" رواه
الترمذي وابن ماجه وحسنه النووي وغيره ،
فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من علامة حسن إسلام المرء أن يترك كل شيء لا
يعنيه ولا ينفعه في الدنيا والآخرة
، وهذا يشمل الأفعال والأقوال والاعتقادات
والأفكار والعلوم والتصرفات وغيرها ،
فإذا ترك المسلم ما لا يعنيه ولم ينشغل به لا تفكيراً ولا قولاً ولا عملاً ولم
يشغل به غيره فإن ذلك مما يعينه على فعل ما يفيده
وينفعه ويفرغه له ،
ويقطع الطريق على الشيطان بإشغاله بأمور كثيرة لا يحصّل
منها خيراً دنيوياً ولا أخروياً .
وكل عمل يعمله الإنسان يُؤثر
عليه إما سلباً أو إيجاباً ،
فإذا ركز جهده على ما يعنيه فإنه بذلك يقوي الجوانب الإيجابية في حياته ويزيدها
، وقلب الإنسان مثل الإناء إذا ملأته بماء صاف
ثم صببت عليه شيئاً قليلا من ماء مُكدَّر فإنه يتكدر ويصيبه الفساد
، ويظهر ذلك عليه في لونه وطعمه وعاقبته.
وإذا تأملت كثيراً مما يجول في
قلوب البشر أو يتحدثون به في مجالسهم وجدته مما لا يعني فتجد الإنسان يعرف كل شيء
من أخبار الناس والسياسة وإذا مر بشارع حدثك عن هذه العمارة وذلك الجسر وهذا
المشروع والحادث والمحل التجاري والسلعة المعلن عنها ،
وغير ذلك كثير ، مما لو
فتش فيه لوجد أنه غير نافع له في دينه ولا دنياه وأنه استهلك به جزءاً من عمره
وقوته وأعمار الناس أيضاً معه فيما لا يعنيهم
ولا يزيدهم لا في دينهم ولا دنياهم ،
بل إذا تأملت كثيراً مما يكدر على الإنسان صفاءه
ويقطع عليه خشوعه، وأحياناً يوقعه في الخصومات العقيمة وجدته من هذا الباب.
وبعد مجيئ وسائل التواصل
الاجتماعي انفتح على الناس من هذا شيء كثير لا يحصر، من المقاطع والتغريدات والصور
والمقالات والنكت والتعليقات ،
فتشوشت الأذهان وانشغلت القلوب وتركت الأعمال المهمة ،
والأقوال الطيبة ، وذهب الخشوع ، وضاعت الأعمار وقل الإنجاز
، وضعف المسابقون في أبواب الخير، وتعاظمت
التفاهة في حياة الناس ،
وصار للتافهين في هذا الزمان - الذين يضيعون أعمارهم وأعمار غيرهم - شأن عظيم.