التخطي إلى المحتوى الرئيسي

برنامج الصلاة عن ابن عثيمين


مما تميزت به حياة شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله الانضباط والتنظيم فهو ينظم كل شأن من شؤونه ، ويلتزم في تنظيمه ويبتعد عن العشوائية والفوضوية ، ويلحظ هذا كل من جلس عند الشيخ أو اقترب منه ، فالدروس لها أوقات معلومة في بدايتها ونهايتها ، ولهذه الأوقات احترام فلا تفوّت أو تغير إلّا لحاجة أو ضرورة ، وكل شيء مبرمج في حياة الشيخ ، ولعلي أعرض في هذه المقالة برنامج الشيخ في الصلوات الخمس ، فله برنامج لا يكاد يتغير، قد ربّى عليه نفسه وربّى عليه الآخرين ، فإذا أذّن المؤذن صلى الشيخ الراتبة أو النافلة في بيته ، ثم خرج من بيته ماشياً ، وبيته بعيد من مسجده ، لا أبالغ لو قلت أنه يبعد أكثر من ألف خطوة ، ويأبى الشيخ الركوب ، ولو قبله من أحد لما مشى خطوة واحدة لمحبة الناس أن يحظوا بخدمته والقرب منه ، وفي طريقه إلى المسجد يتفرغ الشيخ لأوراده وأذكاره ، ولا يستقبل أحداً من طلاب العلم ، إلا أن يكون أحد العامة فيجيبه الشيخ باختصار، ثم يعود لما كان عليه من الذكر ونحوه ، حتى يصل المسجد فتقام الصلاة بمجرد قدومه ويضع الشيخ حذاءه على يساره ، ثم يصلي بالناس ، فإذا سلّم انصرف عن الناس وبدأ بأذكار أدبار الصلوات ، ولا ينشغل حينها بالإجابة على أسئلة الناس ، ويقوم السائلون وأصحاب الحوائج ويجلسون بانتظام غريب عن يمين الشيخ وعن يساره ، يجلس الأول عن يمينه والثاني عن يساره والثالث عن يمينه يلي في الجلوس من سبقه والرابع عن يساره حتى يتم ستة ، فإذا انتهى الشيخ من الذكر التفت إلى الأول الذي عن يمينه فأجابه أو قضى حاجته ، ثم الثاني حتى يتم البقية ، ثم يقوم فلا يصلي الراتبة في المسجد بل في بيته ، إلا أن يكون لديه موعد خارج البيت فيصلي راتبته ثم يذهب لموعده ، فإذا خرج الشيخ من المسجد راجعاً إلى بيته لحقه طلبته وغيرهم من السائلين وأصحاب الحوائج ، وقضى الشيخ الطريق كله في الإجابة والمشورة وقضاء الحوائج حتى يتمهم قبل دخوله لبيته ، وكان رحمه الله في خروجه لصلاة الفجر في أيام الصيف واعتدال الجو يخرج حافياً تطبيقاً لسنة الإحتفاء الواردة في حديث فضالة بين عبيد: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عن كثير من الإرفاه ويأمرنا بالاحتفاء أحياناً " .
وأما صلاة المغرب فإنه يؤخرها فلا تقام إلا بعد عشرين دقيقة من الأذان ليتمكن الطلبة من حضور الدرس بعد الصلاة في مساجدهم ، وليدرك طلبته الذين يأتون من مدن القصيم المجاورة ، فإذا صلي الشيخ المغرب صلى الراتبة في المسجد ثم بدأ الدرس، ويبدؤه عادة بالإجابة على ثلاثة أسئلة مكتوبة يضعها الطلاب عند المكان الذي يجلس عنده لإلقاء الدرس ، وهذه الإجابات مخصصة للطلاب ، ثم يبدأ الدرس بأسئلة من الدرس الماضي ، ويشدد الشيخ في هذا ويعتني به ، لأن المقصود من الدرس ضبط العلم لا مجرد سماعه ، ثم يبدأ الدرس ويستغرق قريباً من أربعين دقيقة ، ثم يسمح الشيخ بالأسئلة حول الدرس ثم يؤذن لصلاة العشاء ويبدأ الدرس الثاني بعد الأذان إلى الإقامة ، وفي العادة يكون الدرس الثاني أخف من الدرس الأول ، وقد تميزت دروس الشيخ بالانضباط التام ، وعدم الانقطاع الذي يشوش على الطلاب ويملهم ، ولذا يشعر الطالب بالجدية والإنجاز في ملازمته للشيخ العلامة ، فإذا صلى الشيخ العشاء انصرف لبيته ولحقه أصحاب الأسئلة والحاجات إلّا أن يكون مرتبطاً فيصلي الراتبة ثم ينصرف لشغله أو موعده.
كان الشيخ يمشي للمسجد أربع مرات في اليوم في كل مرة يخطو أكثر من ألفي خطوة ذهاباً وإياباً ، وكذا كان بمثابة برنامج رياضي يومي تعبدي يقوم به الشيخ بانتظام.
وأما في الصيف فإن الشيخ يقيم دروساً في الصباح تبدأ الساعة الثامنة وتنتهي 10:30الساعة العاشرة والنصف صباحاً في أيام الأسبوع كلها عدا الثلاثاء والجمعة ، ولا يقطع الشيخ درسه إلا عند السفر الضروري أو في رمضان حيث يقيم دروسه المعروفة في الحرم المكي طيلة شهر رمضان ، بدأها من عام 1402ه  وإلى العام الذي مات فيه 1421 ه ، لم يخرمها عاماً واحداً ، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.