التخطي إلى المحتوى الرئيسي

شاركوا من تحسنون إليهم



دخلت مسجداً في إحدى دول إفريقيا فوجدته مهملاً ووجدت في جدرانه شقوقاً يمكن بسهولة ترميمها وسدها ، ولما سألت الناس ، لماذا يتركون المسجد هكذا؟ قالوا : هذا مسجد بناه أحد المحسنين من دول الخليج وهم يرون أن عليه أن يقوم هو بترميمه ، فقلت لهم: هل بناه لنفسه أم لكم ؟ قالوا: بل بناه لنا ، قلت: وهل يعلم عما أصاب مسجده من الخلل؟ قالوا: من المؤكد أنه لا يعلم ، قلت: فإذا كان قد بناه لكم  وهو لا يعلم عن حال مسجده ، فما الذي منعكم أن تصلحوه خصوصاً وأن تكلفة الإصلاح زهيدة وأمرها يسير ، فحاروا في الجواب ، إلا أني عرفت السبب من خلال حديثي معهم ورؤيتي لعدد من المشاريع المماثلة ورأيت بئراً قد نضب ماؤها وبقيت لا ينتفع بها ولا تحتاج سوى تعميق يسير وتنظيف لينتفع بها ، وأخبرني أهل البئر بمثل ما أخبرني أهل المسجد.
والسبب في نظري هو أن يقوم المحسن بكل تكاليف المشروع دون أن يشارك الناس بشيء فيه ، فإن مشاركتهم تشعرهم بأنهم شركاء فيه وتجعل بينهم وبين المشروع رابطة تحملهم على حمايته وصيانته والعناية به وقد أحببت التأكد من صحة هذه النظرية فبنيت مسجداً لأحد المحسنين وطلبت من الناس أن يشاركوا في هذا المسجد فاعتذروا بأنهم فقراء غير قادرين على المشاركة ، فقلت لهم : ألا تستطيعون توفير الماء ؟ وتحضروا التراب لخلطة الاسمنت ، وتحفظوا أدوات البناء وتكرموا العمال بما تيسر من الطعام ونحو ذلك ؟ فقالوا: بلى هذا أمر يسير، وبالفعل قاموا به وشاركوا في البناء ، ولما زرت المسجد بعد افتتاحه وجدته نظيفاً مصوناً وتحقق لي أن سبب ذلك شعور الناس بأنهم ساهموا في بناء المسجد وأنهم شركاء فيه ، ولذلك لا يريدون أن يروا عملهم فاسداً وجهدهم ضائعاً.
لقد وجدت في قصة ذي القرنين ما يدل على شيء مما توصلت إليه ، وذلك حين قال له الناس: " إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً قال: ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً ، آتوني زبر الحديد…" الآية، فهو مع ملكه العظيم وإمكاناته الواسعة وحبه للإصلاح لم يعفهم من الجهد والعمل ، بل طلب منهم المشاركة والمساهمة بما يستطيعون ، ولعل من أسباب ذلك: إشعارهم بأن المشروع لهم ومنهم ، وهم أهله ، وليحافظوا عليه ، وأيضاً لتخفيف المنة عليهم ، فإنك إذا فتحت لمن تحسن إليه الفرصة في العمل والمشاركة خَفّت عليه المنة ، وأحس بالعلو والنشوة وذهب عنه انكسار النفس الذي لا يخلو منه من يُحسَن إليه في العادة.