التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وثّقوا الديون



حدثني عمي قال: طلب مني أحد زملائي في العمل قرضاً مقداره خمسة آلاف ريال فأقرضته ، دون أن أوثق الدين بكتابة ونحوها ، لثقتي بصاحبي ومحبتي له - وهو محل الثقة لديانته وأمانته - وانتظرت السداد خلال العام الدراسي ولم يحصل وصبرت عن تذكيره ومطالبته ، لعلمي بأنها لو تيسرت له فلن يتأخر عن السداد ، وفي السنة التالية احتجت للمبلغ فكلمته عنه ، فأخبرني بكل ثقة بأنه سدده لي العام الماضي وأني نسيت ، وأكدت له أني لم أنس ولم يسدد ، وبقي في نفسه كيف أطالبه بالمبلغ وقد سدده ، وبقي في نفسي كيف أنه استقرض مني وأعطيته ولم يسدد ويتهمني بأني أريد استغفاله بالسداد مرتين ، وصار هذا القرض غصة في حلقي وحلقه ، كل واحد يظن صواب نفسه.
أيها الأحبة: هذه نتيجة طبيعية لعدم توثيق الديون والقروض والمبايعات والعقود ، فالنسيان والذهول من طبائع البشر ومن مقادير الله عليهم ، كما أن الخيانة وضعف الأمانة وتسويل الشيطان مما يعرض للناس فيؤدي إلى الكتمان والإستغفال وأكل الأموال بالباطل ، ولذلك أمرنا الله تعالى بتوثيق الديون لئلا يحصل شيء من ذلك، ولئلا تنقطع أواصر الأخوة والمحبة، وليقطع الطريق على الشيطان فيسول للإنسان أن يخون أو يأكل الحرام، قال تعالى: " ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه، وليكتب بينكم كاتب بالعدل.. " وقال: " وأشهدوا إذا تبايعتم " وقال: " ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله " وقال : " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة " فأمر في هذه الآية إذا لم تمكن الكتابة أن يوثق الإنسان دينه بشيء يأخذه الدائن من مال المدين أو متاعه ليضمن حقه ، كل هذه التأكيدات والأوامر تأتي لتحفظ الحقوق ، وتعصم أواصر الإخوة من الانفصام والتشرذم ، ويسلم الناس من شر المطالبات والشكاوى والاتهامات والخصومات.
من الكلمات التي تؤثر عن أحد الأثرياء الكبار في الرياض قوله: " ادخل وسخاً تخرج نظيفاً وادخل نظيفاً تخرج وسخاً"، ويقصد بها : أن العقود لابد فيها من التوثيق والمصارحة والمشارطة والابتعاد عن الحياء والخجل والمساهلة، فإنك إذا فعلت ذلك ضمن أن تخرج من ذلك العقد وتنهي المعاملة من دون مخاصمة ولا محاكمة ولا مشاكل، أما إذا تساهلت وفرطت ولم يوثق ولم تكتب ولم تصرح ولم تشترط فإن الغالب هذا يجر عليك المشاكل والجحد والاختلاف و تلتجئ لأجلها للمحاكم والخصومات وتنقلب المحبة كراهيةً والأخوة عداوة والقرب بعداً، ويعبر العامة عن هذا قولهم: " ما كان أوله شرط كان أخره سلام" أي من اشترط في بداية العقد وتوثق خرج من القضية كلها سالماً من البلاء معافى من المشاكل.