التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رحم الله السلطان عثمان



في عام 1420 زرت دولة تشاد ، فدعيت من قبل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، ودعي في ذلك المجلس ممثلون عن عدد من الجمعيات الخيرية وأخبرونا أن سلطاناً لقبيلة وثنية قد اتصل بهم ويرغب منهم أن يحضروا حفلة إسلامه ومعه (250) مائتان وخمسون من قومه ، ففرح الجميع بالخبر وحددوا يوماً يجتمعون عنده حيث يبعد عن العاصمة قريباً من (300) كم تقريباً.
وفي الوقت المحدد وصلنا وفوجئ السلطان بوصولنا حيث لم نخبره بالموعد ، وطلب منا البقاء إلى يوم غدٍ ليجتمع الناس ويحضر كل من له رغبة في الإسلام ؛ فأبى الوفد ذلك لانشغالهم وارتباطهم - ولو وقع مثل ذلك مع النصارى لحشدوا له أعظم حشد واحتفلوا به أكبر احتفال - وحسمنا الأمر بأن يقام الحفل في نفس الوقت له ولمن حضر ، وكان السلطان غير راضٍ لكنه وافق على ذلك على مضض ، وأقيم الحفل ولبس السلطان الملابس الفاخرة وأعلن إسلامه ثم أعلن الراغبون إسلامهم وكانوا قريباً من عشرين رجلاً ، وسألت السلطان من الذي دعاه للإسلام ؟ فأخبرني أنه لم يُدع إلى الإسلام من قبل أحد لكنه يقارن بين المسلمين في منطقته والمشركين فيرى الفرق في كل شيء ، وكان يسأل عما يشكل عليه ويستفسر عن بعض الظواهر والتصرفات فيجيبه الناس ، ومن ثمّ قرر الدخول في دين الله تعالى.
كل جمعية من الجمعيات التي حضرت قدمت هدايا رمزية للسلطان ومن معه ، لكن إحدى الجمعيات الخيرية التي حضرت الحفل جاءت معها بستة دعاة من أبناء المناطق المجاورة ووضعتهم عن السلطان ليعلموه دين الله ويعلموا من يسلم من قومه ويثبتوهم على الإسلام ،كما أنها وعدت السلطان بالحج في ذلك العام وكان بقي على الحج أكثر من عشرة أشهر، وكان المغزى من ذلك أن يثبت على الإسلام حتى يحج ، وإذا حج فإنه لا يمكن أن يعود ويرتد عن الدين ، وبقي ينتظر هذه الفرصة الثمينة حتى حج وحسن إسلامه، وكان من عجائب الأمر أن الناس صاروا يأتون لتهنئة السلطان بالإسلام فيقوم الدعاة بدعوتهم والإجابة على أسئلتهم فيسلمون ، فأسلم في الأسبوع الأول قرابة الألف من جماعة هذا السلطان الذي سمى نفسه "عثمان".
وفي عام 1425 تقريباً زرته في قريته فوجدته ثابتاً فرحاً بإسلامه ، ولأني لم ألتقه بعد إسلامه سألته: كيف وجدت الحج ؟ فقال لي: شيء عظيم، وددت لو أني بقيت في  البقاع الطاهرة ، وسألته ممازحاً؛ هل ترغب أن تحج مرة أخرى ؟ فقال : نعم بكل تأكيد وضحكنا ثم افترقنا.
في اليوم التالي اتصلت بي الجمعية الخيرية التي كنت أتعاون معها وقالوا لي: إن السلطان عثمان قد جاء إلينا قائلاً : إن فلاناً زارني بالأمس ووعدني بالحج، فقلت : هذا لم يحصل وإنما سألته عن رغبته، فقالوا: هو فهم منك الوعد بالحج، وهو الآن يتهمنا بأننا نقف ضد رغبته وأننا نريد نعطي هذه المنحة لغيره، وصار يجادلهم ، وقالوا لي: لابد أن تفي له بهذا وإلا سندخل في مشكلة عظيمة معه.
وبعد المشاورة مع الأخوة رضخنا لطلبه ووجدنا من يتكفل بتحجيجه ، وحج والتقيته في الحج وكان فرحاً مسروراً بالحج لا تسعه الدنيا، لكنه كان مريضاً وكان يؤدي المناسك بمشقة ، وأتم المناسك وذهب إلى المدينة فالتقيته هناك أيضاً ووجدت المرض قد اشتد عليه ، فنصحت الأخوة أن يذهبوا به لمستشفى الملك عبدالعزيز بالمدينة ، ولما فحصه الأطباء وجدوا به مرضاً عضالاً فقرروا تنويمه ، وفي اليوم التالي أسلم الروح لباريها ودفن في البقيع مع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته الطاهرات.
لم يكن أحد منا يقدر أن السلطان عثمان الذي اختار الإسلام طواعية وأدخل قومه فيه وكان فتحاً من الفتوح وبركة من البركات أن تأتيه المنية في سفره ويموت بعيداً عن أهله في الأرض التي أحبها وأحب البقاء فيها.
ومن العادة أن إجراءات الدفن تحتاج إلى موافقة أهله وكانت تأخذ وقتاً حتى تأتي الموافقة إلا أنها في حالة السلطان عثمان لم تستغرق أكثر من يومين، حيث جاءت الموافقة وصلي عليه بعد صلاة العشاء في المسجد النبوي ليلة السبت وكان الذي صلى بالناس الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي.
رحم الله السلطان عثمان ورفع درجته في المهديين وجمعنا به مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.