التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الوِرد القرآني



مما ينبغي للمسلم أن يتعاهد نفسه أن يكون له وردٌ يوميٌ يقرأه من كتاب الله قليلاً أو كثيراً ، نظراً أو حفظاً  يخرج به من وصف الهجران الذي ذكره الله تعالى بقوله: " وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً " وقد ذكر العلماء أن من أنواع الهجران : هجران التلاوة ، حتى يمر بالمسلم الأسابيع والأشهر لم يفتح مصحفه أو لم يقرأ من حفظه شيئاً سوى ما يقيم به صلاته، وهو وإن لم يكن واقعاً في محرم إلا أنه وقع في خلاف الأولى .
والورد القرآني نوعان:
النوع الأول : الورد الكلي : وهو قراءة القرآن كله من أوله إلى آخره ، وهذا أفضل النوعين وأكملهما ، ويستحب للمسلم أن لايزيد في مدة الورد عن شهر فيختم القرآن كل شهر مرة أو كل أربعين يوماً مرة، وهذا أقصى ماورد عن السلف، وإن أراد ختمه مرتين فهو أفضل بلا شك ، وأكثر السلف كانوا يختمون القرآن كل أسبوع مرة ، ولهم طرائق في ذلك ، ليس هذا محل بيانها ، إلا أن الحافظ ينبغي له أن يتعاهد حفظه كل أسبوع مرة ، ولذا قالوا: من قرأ الخمس أمن اللبس ، أي من قرأ خمسة أجزاء يومياً أمن الالتباس في الآيات ، فيختم في ستة أيام ويجعل يوم الجمعة للذكر وللصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولقراءة سورة الكهف ، وأيضاً احتياطاً لانشغاله في أحد أيام الأسبوع فيعوض ذلك بالتلاوة يوم الجمعة.
النوع الثاني: الورد الجزئي : وهو أن يقتصر المسلم على سورة محددة يقرؤوها مرة بعد مرة، وهذا النوع يغفل عنه أكثر الناس ولا ينتبهون لمشروعيته ؛ خصوصاً من العامة والمشغولين الذين لا يجدون وقتاً للتلاوة ، ولهذا النوع أدلة كثيرة من السنة، فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد 396/2، وأبو داود 119/2 والنسائي في الكبرى 16/5 ؛ عن عبدالله بن عمرو قال: أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اقرئني يا رسول الله ، قال : " اقرأ ثلاثاً من ذوات آلر " ، فقال الرجل: كبر سني واشتد قلبي وغلظ لساني، قال : " فاقرأ من ذوات حم " ، فقال مثل مقالته الأولى ، فقال: " اقرأ ثلاثاً من المسبِّحات " ، فقال مثل مقالته ، فقال الرجل : ولكن اقرئني سورة جامعة ، فأقرأه " إذا زلزلزت الأرض زلزالها " حتى فرغ منها ، قال الرجل: والذي بعثك بالحق نبياً، لا أزيد عليها أبداً ، ثم أدبر الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفلح الرُّويجل، أفلح الرُّويجل "
فهذا الحديث دال على مشروعية الورد الجزئي ؛ وهو أن يتعاهد المسلم سورا محددة يقرؤوها ويرددها مرة بعد أخرى، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم منها في هذا الحديث أربعة أصناف: ثلاثاً من ذوات آلر، ثم ثلاثاً من ذوات حم، ثم ثلاثاً من المسبحات ( وهن المفتتحات بالتسبيح من سورة الحديد إلى التغابن ) ثم سورة الزلزلة ، كما أن هذا الحديث أيضاً يفتح باباً عظيماً أمام عوام المسلمين الذين لا يحسنون القراءة أن يأخذوا شيئاً من قصار السور خصوصاً مما ثبت له فضيلة خاصة كسورة الإخلاص والمعوذتين والفاتحة فيرددوه بشكل يومي مرات كثيرة يملأون به أوقات فراغهم ويحصلون أفضل الأعمال بأقل الجهود ، فإن الذكر أفضل الأعمال، وتلاوة القرآن أفضل الذكر.
ومما يدل على الورد الجزئي من السنة:
ما رواه مسلم من حديث أبي أمامة ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اقرأوا القرآن فإنه شافع لأهله يوم القيامة ، اقرأوا الزهراوين البقرة وآل عمران ؛ فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهم فرقان من طير صواف ، تحاجان عن أهلهما يوم القيامة، ثم قال: اقرأوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة "  فقد ذكر في هذا الحديث الورد الكلي بقوله: " اقرأوا القرآن " ، ثم ذكر الورد الجزئي وذكر منه درجتين: قراءة الزهراوين، وقراءة سورة البقرة وحدها.
ومن السور التي ورد في تلاوتها فضيلة خاصة غير ما ذكر سابقاً ، سورة الكهف، وسورة تبارك، وسورة الكافرون، وسورة النصر، وسورة الإخلاص والمعوذتين.
وإياك ثم إياك أن تحتقر ذلك أو تتقاله، فقد روى البخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: " قل هو الله أحد " يرددها ، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، وكأن الرجل يتقالها ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن".
وإني أحث المسلمين عامةً على نشر هذا الخير بينهم ، وتعليم عامتهم وكبار السن فيهم هذا الباب العظيم من أبواب العلم ليأخذوا به ويحصلوا به الأجور الكثيرة.