التخطي إلى المحتوى الرئيسي

توسيع المعاني في السنة



لما قرأت حديث ابن مسعود رضي الله عنه في التشهد عن النبي ﷺ " إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: " التحيات لله… إلى أن قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبدٍ لله صالح في السماء والأرض .." الحديث، رواه الجماعة.

لما قرأت الحديث وقفت عند هذه اللفتة النبوية في توسيع المعنى وتعميمه ، وإبقائه على شموله حيث نسبه إلى أن السلام على عباد الله الصالحين يشمل كلَّ عبد لله صالح في السماء والأرض ، وهذا مما يغفل عنه الإنسان عادة ، وهذه طريقة حسنة جميلة، معينة على الفهم وعلى إدخال صور كثيرة في معاني ألفاظ الكتاب والسنة ، قد تكون غائبة عن ذهن الإنسان ، فإذا قال العبد: " اللهم إني أسألك العافية " فإنه ينبغي أن يستحضر العافية في كل شيء ، في دينه ودنياه وبدنه وأهله وماله وآخرته ، وكذلك إذا سأل الله الرزق استحضر الرزق من المال والعلم والولد والجاه وغير ذلك ، وليس هذا بدعاً من القول، فقد وسع النبي ﷺ معنى الجهاد ليشمل " بر الوالدين" وقال للرجل الذي رغب الخروج للجهاد: " أحيٌ والداك ، قال نعم، قال: ففيهما فجاهد " ، وبين أن الهجرة لا يقتصر معناها على ترك دار الشرك بل يتسع ليدخل فيه كم من " هجر ما نهى الله عنه " ، وبين أن المفلس لا يقتصر معناه على ذلك الرجل الذي افتقر وكثرت ديونه ، بل من جاء يوم القيامة بحسنات كثيرة ولكنه ظلم العباد وأسرف في حقوق الخلق ، فإنهم يُعطون من حسناته ، فإن فنيت حسناته أُخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار، كما بين النبي ﷺ أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

وهكذا لفظ الأمر بالمعروف فإن المعروف يشمل كل خير حسن دنيوي وأخروي ، ولفظ النهي عن المنكر يشمل كل قبيح في الشرع والعقل وفي الدنيا والآخرة.

ولفظ "الدعوة إلى الله" يشمل كل ما جاءت به الشريعة فمن دعا إلى واجب أو سنة أو دعا كافراً إلى الإسلام، فكل ذلك من الدعوة إلى الله ، ولذا قالت أمنا عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً " قالت : " نزلت في المؤذنين" ، وهذا المعنى يغيب عن الكثيرين ويظنون الدعوة إلى الله خاصة بمن فرغوا أنفسهم لدعوة الكافرين أو الضالين إلى دين الله ، والأمر بحمد الله أعم من ذلك.

والمراد أن كثيراً من المصطلحات والألفاظ الواردة في النصوص تحتاج إلى توسيع مدلولها لتشمل كل ما يدل عليه اللفظ من صور ومعاني ، فيحصل بذلك تحقيق مراد الشرع والعمل بالنصوص على الوجه اللائق.





كتبه: 
محمد بن عبد العزيز الخضيري.