التخطي إلى المحتوى الرئيسي

القصة سحر المجالس



قام أحد الواعظين في مسجد بعد إحدى الصلوات يذكر الناس وقدّم لكلمته بوعدٍ قطعه على نفسه، وهو أن لا يزيد عن خمس دقائق ، ثم شرع يسرد قصة مؤثرة بأسلوب بليغ وكلمات مرتبة جذابة ، فلما انتهت الدقائق الخمس توقف واعتذر عن إكمال قصته الجميلة بناءً على وعده ، فصاح الناس به من أطراف المسجد : أكمل ، أكمل ، سنجلس ولو طال الوقت ، إلا أنه اعتذر بأنه وعدهم بخمس دقائق ولا يريد يخلف وعده ، وبأنه على عجلة من أمره ، وقال: ولكن إن رغبتم جئتكم غداً وذكرت لكم بقية القصة ، فرضوا بذلك ، وحضر من الغد عدد أكبر وقص عليهم قصته وأدرج فيها ما يريد أن يوصله لهم من العلم والخير .

لم أجد شيئاً من الحديث أكثر لفتاً للانتباه وعطفاً للحواس وتأثيراً على النفوس من القصة ، فهي تسترعي انتباه الصغار والكبار ، العلماء والعامة ، الذكور والإناث ، العرب والعجم ، وهذا شيء يلحظه كل من يجالس الناس ويخالطهم ، فعامة أحاديثهم تدور حول قصص سمعوها ويروونها ، ومن تأمل القرآن وجد أن القصة حاضرة فيه بشكل ظاهر، بل تستحوذ على ثلثه تقريباً ، وهذا يدلُّ على أثرها في النفوس وشدة تأثيرها في إيصال المعاني والحقائق التي يُراد إقناع المستمعين بها، وأكثر الناس حضوراً في المجالس وغلبةً وتأثيراً فيها هم الذين يطعِمون حديثَهم ويطرزون كلامهم بالقصص خصوصاً إذا وفقهم الله ببيان أخاذ وأسلوب جذاب ، وهذا تجده أيضاً مع الدعاة والخطباء في قبول الناس واستماعهم إليهم.

ولأجل ذلك ينبغي على المربي والمعلم والداعية والوالد والوالدة ومن يريد التأثير والتغيير أن يعتني بأمر القصة ، انتخاباً لها، واعتناءً بأسلوب عرضها، وإيضاح ألفاظها، وحسن سبكها ، مع إدخال التعليقات والأفكار التي يراد سوق القصة لأجلها والتأكيد على أهم مضامينها ورسائلها التربوية ، لأن بعض الناس من يقص لأجل التسلية المجردة وإضاعة الوقت دون عبرة أو هدف سامٍ يرمي إليه ، وقد قال الله تعالى في خاتمة سورة يوسف " لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب " والعبرة: ما يُعْبَر به من حال إلى حال ، فأنت تعبر في القصة من حال أهل القصة إلى الحال التي أنت فيها لقصد إحداث المقارنة بين الحالين فيحصل الادكار والاتعاظ وينتبه الغافل ويسلم الجاهل.

وعلى من يقص أن يحرص على القصص الصادقة فإنها أيسر في التأثير وأرغب للنفوس ، ولذلك يجد القاص أن ما يذكره في القصة لتأكيد وقوعها يلقى عناية من مستمعيه ويسترعي انتباههم .



كما عليه أن يعرض عن كل مالا ينفع فضلاً عما يحرم أو يضر، كأن تتضمن القصة غيبة أو لعناً ، أو استهزاءً بأحد ، أو ترويجاً لشبهة ، أو إثارة لشهوة، واعتبر ذلك من قصة يوسف حيث ذكرت مراودة امرأة العزيز بأسلوب محتشم لا يحرك الغرائز ولا يثير الشهوات.



والله الموفق.



كتبه:
محمد بن عبد العزيز الخضيري.